الخميس، 20 أغسطس 2009

المرسلات بين قادة الثورة الجزائرية

بقلم الدكتور علي زغدود
المرسلات بين قادة الثورة الجزائرية
شرفني أن اعرض بمناسبة ذكري 20 أوت موضوع المرسلات أثناء الثورة الجزائرية على القراء الكرام باعتبارها تحتوي على معلومات تذكرنا ببطولات المجاهدين ومجريات الثورة المسلحة آنذاك وسوف نتناول ما جاء في تسعة مرسلات تمت بين قادة الثورة الجزائرية أثناء لهيبها ومنهم العقيد لعموري والعقيد عميروش والعقيد محمود الشريف وعباس فرحات وعبد الله بلهوشات وغيرهم .وتعد المرسلات أهم وسيلة لربط الاتصال بين قادة الثورة وتبدأ المراسلة في بعض الأحيان. بسرد حكم ومآثر في بداية الرسالة وهي من أهم الوسائل التي كان يعتمد عليها المجاهدون في اتصالاتهم ونقل الأخبار فيما بينهم على وجه السرعة، وكان يتم بواسطتها إعطاء الأوامر العسكرية كأوامر شن الهجمات والكمائن والمعارك وهي أيضا أداة إيصال المعلومات سواء داخل كل ولاية أو بين الولايات والقيادة العليا وبواسطتها يتم تنسيق العمليات ضد قوات العدو وضبط مجرياتها وكانت المراسلات تبلغ مباشرة وباليد لضمان الوصول والسرية والتنفيذ وقد تتلف المراسلة بعد الاطلاع عليها من المرسل إليه وذلك حتى لا تقع في أيدي العدو وقد يبلغ موضوع المراسلة شفهيا في بعض الأحيان.كما قد يبلغ جزء منها مكتوبا والجزء الثاني يبلغ شفهيا كأن يكون موضوع المراسلة الرئيسي مكتوبا وكيفية التنفيذ شفهيا خاصة عندما يكون الموضوع يتعلق بتنفيذ عمليات حربية واسعة على مستوي الوطن، وكان الجواب عن المراسلة يتم إلى نفس حامل المراسلة في أكثر الأحيان. لكن هناك نوعا من المراسلات تظليلية، وتعد خصيصا لتضليل قوات العدو الفرنسي لاستنزاف قواتـه ومواجهـة أعمالـه العدائيـة.وفي كل الأحوال، إن المراسلات أثناء ثورة التحرير الجزائرية تتصف بالسرية وتدخل ضمن إستراتيجية الهجوم الذي تسير عليه الثورة قصد إلحاق بالعدو خسائر في الأرواح أو المعدات بأي وسيلة كانت، ولقد تطورت المراسلات وتنوعت وتعددت مواضيعها وأساليبها وأشكالها أثناء الكفاح المسلح إلى أن أصبحت تتم بوسائل حديثة كالشفـرة والبرق وطرق متطورة أخرى وكانت المراسلات بين الولايات والمناطق يتم تبليغها بواسطة دورية تسمى تارة بدورية الاتصال وتارة أخرى بالبوسطة، وكانت تتكون من شخص إلى ثلاثة أشخاص حسب الحالة، وينبغي أن تتوفر فيهم خصال عديدة كالثقة والشجاعة والإقدام، ويعرفون الجهة معرفة جيدة خاصة معرفة أراضيها وتضاريسها ويكونوا أصحاْ ولهم مقدرة على التنقل بسرعة وسهولة والتخفي عن العدو وأعوانه ولأخذ صورة أكثر وضوحا على المراسلات أثناء الثورة التحريرية الجزائرية أضع بين أيدي القارئ الكريم عدة مراسلات تمت بين قيادات الثورة الجزائرية تعالج مواضيع مختلفة تكشف أسلـوب مراسلات وعمل ثورة شعب ومسـيرة أبطـال.
وأبدأ بالمراسلة الأولى: التي بعث بها العقيد لعموري محمد إلى العقيدكريم بلقاسم بتاريخ 21 ديسمبر 1956 يوضح فيها سبب غياب ولاية الأوراس النمامشة عن مؤتمر الصومام ونصها كالآلتي”:قبل أن التقى بكم أود أن أرد بعد تأخر، قد تقدرون أسبابه على استدعائكم لحضور مؤتمر الصمومام بتاريخ 20 يونيو 1956 ولعله من الضروري الرجوع إلى الماضي لتبرير غيابنا، وبالفعل لقد توجهنا إلى منطقة القبائل الصغرى لكن بطلب من عمر بن بلعيد الذي كان يرأس فوج المسؤولين الأوراسيين، تأجل الاجتماع وأرسلنا مرة أخرى من سطيف دورية للاتصال بكم، لكن مع الأسف وجدت الدورية عند وصولها المؤتمر قد انتهى قبل 5 أيام، الأمر الذي أرغمنا على الرجوع دون ملاقاتكم ومع ذلك طبقنا القرارات المتخذة من المؤتمر المنعقد في 20 أوت 1956 هذا المؤتمر الذي يكتسي أهمية تاريخية لسببين اثنين، أولهما أن المسؤولين عن خمس ولايات من بين ستة قد اجتمعوا لإعداد هذه القرارات، ثانيهما أن القرارات تراعي المبادئ الأساسية لثورتنا، ولقد شرعنا بعد المؤتمر في عملنا وكلنا إيمان وعزيمة، ولقد تعرفنا على كافة المسؤولين على المستوى الوطني والولائي لكن ثمة صعوبات ظهرت أمامنا وهي من عمل بعض الأفراد غر بهم الطموح، ونحاول إرجاعهم إلى تفهم الصواب لواجبهم الوطني، اقتناعا منا أنهم يشكلون عائقا في وجه تحرير الجزائر، وسنبقى دائما وراء مسئوليتنا بلجنة التنسيق والتنفيذ والمجلس الوطني للثورة الجزائرية، طالما تبقى الحرية واستقلال الجزائر هدفهما ونتهيأ اليوم لملاقاتكم حيث ستحـدد بمسـاعدة الجميع وسـائل العمـل المقبـلة الملائمة، لوضـع بلادنا الراهن، كما سنحاول أن نسـوي معا القضايا الداخلية المطروحة حتى لا نقاوم إلا عـدو واحد ألا وهـو الاستعمـار.
ونعلق أملا كبيرا على المؤتمر اعتقادا منا أنه يمكننا هنا أن نتحـلى بـروح نضاليـة جديـدة تحقيقا لـلأمل والتطلعـات المستقبليـة.
المراسلة الثانية: من العقيد عميروش عندما كان رائدا بالولاية الثالـثة إلى العقيد محمـود الشريف عضو لجنة التنسيق والتنفيذ، وهي كالأتي . يطيب للجنة الولاية الثالثة أن تعبر لكم عن ارتياحها العميق إثر علمها بتعيينكم بمداولة لجنة التنسيق والتنفيذ وإذ تقدر تفانيكم للقضية الوطنية، فهي متأكدة من أنكم ستعمـلون كل ما في وسعكم لتسهيل عمل الرائد سي السعيد الموجود حاليا في مهمة وكذلك تقديم يد المساعدة عند الطلب لمنظمات ولايتنا الموجودين بالتراب التونسي، وإذ تعرب لكم الولاية الثالثة عن جزيل عرفانها فهي تقدم لكـم خالص تحياتهـا الأخـوية والسـلام.
المراسلة الثالثة: من العقيد محمود الشريف إلى العقيد سي عبد الرزاق عندما كان مسؤولا عن المنطقة الثالثة بالولاية الأولى برتبة نقيب، وتبدأ بالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، تحية ملؤها المودة وروح الإخلاص لشخصيتكم الوطنية الغيورة أننا نتمنى أن تجدكم هذه الرسالة وأنتم متمتعين بالصحة الجيدة والنشاط الدائم والعمل المثمر في سبيل القضية الوطنية المقدسة وأداء الأمانة الملقاة على عاتقكم بدقة وخبرة وحسن تنظيم. إننا نعلمكم أنه اتصل بنا الأخوان أحمد نواورية وعبد الله بلهوشات أعضاء مجلس الولاية رقم 1 وحدثونا عن التنظيمات الهامة التي تسود المنطقة عندكم ولذا نشكركم الشكر الجزيل، كما أننا نسجل بارتياح للمستقبل للأعمال الباهرة والخدمات العظيمة. وقد أرسلنا إليكم أمرا من لجنة التنسيق والتنفيذ يقضي بتكليفكم بالقيام بمهام مسؤولية الصحراء الشرقية التي تمتد حتى الحدود الليبية، وإننا عن قريب سنرسل إليكم كمية من السلاح الخاص بتجنيـد أهالي الصحراء التوارق، وستأتيكم كتيبة مسلحة ومجهزة بجميع المعدات الضرورية اللازمة وأننا أيضا سنرسل إليكم أسماء إخواننا التـوارق والذين يعملون بسـلاحنا وتحت نظرية نظام الثورة وهما صليقة الموجود حاليا بالهقار، وإيدير الحاج الموجود حاليا بجانات وهذان المسميان يوجد تحت نظريتهما عدد قليل من أبناء التوارق أقاربهم داخلين تحت النظام، وينبغي أن ترسل إليهم دوريات للاتصال بهم لكي تفهمهم في العمل الضروري وتسعى في انضمامهم إليك كما تقوم بالتجنيد ممن يرغب من أهالي الصـحراء التي تحاذي حـدود الولاية رقم 1 من الجهـة الغـربية، ولابد مـنك أن تأمر مسؤوليـي النواحي بأن يتخذوا التدابير الكافية لردع هؤلاء وإرجاعهـم إلى الجادة وليكون في علمـك أنه في الاجتماع القـادم للجنة التنسـيق والتنفيـذ سترقى إلى رتبة صاغ ثاني أي عقيـد والسـلام عليكـم.
المراسلة الرابعة: من رئيس الحكومة المؤقتة عباس فرحات إلى محمود الشريف الذي كان وزير التسليح والتموين في الحكومة يدعـوه إلى حضـور مؤتمر طرابلس والمراسلة تبدأ بمآثر وحكم، أن الغائبين دائما على خـطأ والحجج لا تسوى شيئا، لذا أطلب منك أن تأتي وعليك أن تفهم أن مصلحة الجميع ومصلحتك أنت قبل كل شيء تقتضي ذلك، هناك ثورة وهناك رجال أما الرجال مجرمون كانوا أم ضحايا فزائلون، والثورة باقية قد تتهم الثورة أبرياء وتضع في القمة رجالا من ذوي الحيلة، ولو ضعفاء المستوى وحتى مجرمين وبين هذا وذاك علاقة تاريخية ولكل واحد مصيره، لا نستطيع أن نبدل في ذلك شيئا لقد وجد على الدوام المثال الأعلى والجريمة وما ينبغي عليك أن لا تنساه هو دورنا في الأحداث، فنهاية عهد الاستعمار آيلة للتحقيق، ستسهم في ذلك حسب طبعنا ووسائلنا وأن مجموعة من الرجال تقدر أن تعمل بوعي تام ومصلحتك أن تسمع صوتك، لم أنفك أذكـرك بهذا وأعلـم أحسـن منك ما هو في صالحي، وما هـو عكس ذلك لقد قبلـت أن اشتـرك في المعتقل وضد بـن يوسف بـن خدة وسعد دحلب سنـة 1957. وعندما يتعلق الأمر بشخصك لا تريد أن تؤدي دورك ولماذا كنا في طرابلس نتكلم ونشتغل معا وفي القاهرة سنة 1957 لم يكن لنا سوى الحق في السكوت، سيقول لك لمين خان في أية ظروف كنا نناقش مرة أخـرى باسم صداقتنا وباسم أبنائك وبلدنا عد إلينا، ثم انصرف فيما بعد إن شئت، فحضورك سيؤكد ما قلته سابقا هنا، وسيبقى ضميرك وضميري مرتاحين عـن الباقي وأخـيرا يلتمس منك بومدين ومنجلي وعلي كافي أن تأتي فللـه العزة .خويـا”.
المراسلة الخامسة: صادرة بتاريخ 12/10/1957 عن الفرع الدائم للجنة التنسيق والتنفيذ موجهة إلى المسؤول السياسي لمركز ليبيا وتتضمن عدة أوامر وتعليمات تحدد كيفية العمل وهي كالآتي جيش وجبهة التحرير الوطني الجزائري: لجنة التنسيق والتنفيـذ عضـو الفـرع الدائـم:
بعد التحية: إننا نرسل إليك القرارات التي اتخذناها في شأنك:
1 – رسالة توبيخ مصحوبـة بإنذار على مواقفك الماضيـة.
2 – أمر عملي يجعلك بصفة رسمية المسؤول السياسي والمسؤول عن المالية بالتراب الليبي، إننا نرجو أن تقوم بهذه المهمة التي وضعت على عاتقك بأمان ودقة وإخلاص، كما يجب عليك قبل كل شيء أن يكون عملك مع الإخوان الليبيين متسم بالرصانة والسلوك الحسن، وبالأخص في جبر مشاكل (فزان)، ويجب عليك ربط العلاقات بين الصاغ الأول (إيديـر) وأعضاء الحكومة الليبية الشقيقة، وأيضا تبليغك بدون تراخ البريد الخاص بالمنطقـة الجنوبية، وأيضا تطلـع الصاغ إيدير على نتائج المحادثات التي ستدور فيما بينكـم وبـين الإخوة الليبيـين.
وختاما إذا كنت تحت نظام (منظمتنا بالقاهرة) فيما يخص الأمور السياسية والمالية فإنك تكون كذلك باتصال مستمر مع الفرع الدائم للجنة التنسيق والتنفيذ في خصوص مشاكل فزان.
وأما محمد الهادي فإنه مكلف بالسلاح فقـط، ويكون تحـت نظرية الأخ أو عمران، ولكن يجب عليكم أن تكونوا تحت رعايـة بعضكم بعضا والتعاون في المهام التي أنتم بها مكلفـون. والسـلام.
مـمثل الفرع الدائـم للجنة التنسيـق والتنفيـذ العقيد مـحمود الشـريف.
وهذه الوثيقة الصادرة من أعلى هيئة قيادية للثورة الجزائريـة:
لجنة التنسيق والتنفيذ تبين كيفية عمل هذه القيادة وطرق متابعتها لأعمال المسؤولين وشفافية العمل وتحديد مهام كل مسؤول، وعلاقته بغيره من المسؤولين، في إطار تنسيق أعمالهم لتكون متكاملة ومنسقة في نطاق توزيع المهام، وتحثهم جميعا على التعاون والدقة والإخلاص، في أداء المهام، وتوصيهم أيضا بالتعامل مع الاخوة الليبيين بالرصانة والسلوك الحسن في حل المشاكل التي قد تعترضهم “وما أحوجنا إلى هذه النصائح في وقتنا هذا” ونلاحظ أن لجنة التنسيق والتنفيذ تخاطب مرؤوسيها بالليـونة والتشجيع، ولكنها في نفس الوقت لا تتردد في فرض الانضباط والصرامة في أداء المهـام.
المراسلة السادسة: وهي رسالة تأييد موجهة إلى أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ من قيادة الولاية الأولى “الأوراس النمامشة” موقعة من اللواء عبد الله بلهوشات الذي كان آنذاك عضو الولاية مكلف بالجانب العسكري برتبة رائد وهي كالآتي: جيش وجبهة التحرير الوطني الجزائري ولاية رقم 1 أوراس النمامشـة. الله أكـبر والعزة للجزائر وللمغرب العربي الكبير، حضرات أعضاء لجنة التنسيق والتنفيذ المكرمين تحية أخوية وسلاما وطنيا، من اخوة لكم في الكفاح، كانوا قد أعطوكم ثقتهم الغالية في الكلام والعمل باسمهم، وتبين لهم أخيرا أنهم كانوا على حق وحسن بينة حين سلموكم الأمانة الشريفة وزادهم ذلك إيمانا بحقهم في الحرية، وتعلقا بكفاحكم المجيد حتى ينال الوطن مثلما نال غيره من الأوطان الحرة القوية، ويلحق بركب الحضارة السائرة على أيديكم الماهرة وبفضل ما تمتازون به من سياسة رشيدة، ومواقف حازمة، في كل خطواتكم، نحو بناء الجزائر الحرة، في كنف المجموعة المغربية والعربية. وبمناسبة هذا العيد المبارك نتمنى لكم تحقيق أماني الشعب الجزائري كلها والسلام. الإمضاء عبد الله بلهـوشات.
والملاحظة الأولى في هذه الرساـلة فإنها تبدأ بكلمة الله أكبر وهو دليل على أن الثورة الجزائرية من أول الثورات العربية الإسلامية في هذا العصر اعتمدت على الإسلام في تسيير شؤونها فسميت المنتمين إليها بالمجاهدين وكلمة سرها في لـيلة اندلاعها عقبـة وخالد وهما من صحابة رسول الله صـلى الله عليه وسلم وكان المجاهدون عند بدأ إطلاق رصاصهـم على العدو تنطلق من حناجرهم كلمة “الله أكـبر”.
والملاحظـة الثانية أن الرسـالة تؤكد تأييـد ومساندة قيادة جـيش التحـرير الوطني للجنة التنسـيق والتنفيذ التي كانت آنـذاك في حاجـة لذلك للتخلص من الذيـن لم يعترفـوا بقرارات مؤتـمر الصومـام.
والملاحظة الأخيرة إن رسالة جيش التحرير الوطني كانت تحلم أن تكون الجزائر حرة في كنف المجموعة المغربية والعربية استجابـة لحلم الأجيـال الجزائريـة.
المراسلة السابعة: موجهة من لجنة التنسيق والتنفيذ إلى الأخ امحمد يزيد ممثل جبهة التحرير الوطني بنيويورك الذي أدلى بتصريحات تمس مبدأ الاستقلال ونصها كالآتي جبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني لجنة التنسيق والتنفيذ الفرع الدائم اتصلنا بنص تصريحك في أول أكتوبر وتأملناه كثيرا. لقد أردت منه التأثير وجلب تأييد الدوائر الدبلوماسية فحايدت عن الخطة المرسومة، حتى ظن السامع أن جبهة التحرير الآن صارت في وضعية أخرى جديدة، وتنازلت عن العنصر الأساسي لها وهو الاعتراف بالاستقلال قبل إجراء أي مفاوضات وإذا كانت البراهين تظهر وأنها مقبولة دون إمعان وتحقيق، فإن الغموض الذي ساد شرح الوضعية الأساسية قد رمى بالمقصود إلى الأعماق والمقصود هو الاعتراف بالاستقلال ثم المفاوضات. أما الملاحظون الأجانب فقد تلقوا التصريح وأولوه على أننا تواطأنا وليس ذلك بالكلام فحسب، بل وحتى في جوهر الموضوع إنه يجب الدفاع عن مبدئنا الأصلي، ولديك قاعدة سهلة للعمل فهناك التطورات التاريخية والتماشي مع ميثاق الأمم المتحدة ومبادئها، وعلاوة على هذا فثمة القياس بالشعوب الأخـرى التي كانت بالأمس مستعمرة واليوم صارت حرة، وما تزال على علاقة مع مستعمريها. خصوصا وأن لا تنسى أن سياسـة الدولتين الشقـيقتين تونس ومراكش، اللتان تسعيان إلى إيجاد الحلول مهما كانت، ولذا نلفت نظرك إلى أن التساهل حقا إنه جائز من الناحية التكتيكية، لكن ليس في الوقت الذي صار فيه العـدو سواء من الناحـية العسكرية أو السياسية متشبـثا بعدم قبول أي لين، ويزداد تصلبه يوما بعد يوم ولديك اليوم مهمة معلومة وهي النجاح في الجمعية العامة للأمم المتحدة فلا تنسى وأن عملك هـذا يدور وسط محور المبادئ الثـورية، ويجـب الإلمـام بكل شئ وليس أمامك سـوى عنصـر الجمعيـة العامـة فقـط.
وأن بلاغ وكالة فرانس بريس شاع وانتشر بكثرة في الصحف الصادرة بتاريخ اليوم 13/10/1957 مفاده أن التصريح الذي فاه به الباهي الادغـم رئيس الوفد التونسي لدى جمعية الأمم المتحدة، إلى مبعوث صحيفة باري بريس والذي يحقق وكأننا لم نعد نعتبر إعلان الاستقلال عنصرا أساسيا، يجب أن يسبق كل إجراء مفاوضات، وذلك التصريح الذي كانت له نتائج مروعة خصوصا وأنه جاء بعد أن أعلن السيد الباهي الادغم بأن وفدي تونس والمغرب هما المتكلمان باسم جبهة التحرير الوطني. ولهذا فهل يا ترى كان ذلك التصريح المنحصر في ثلاث نقاط بإذن منك، أو أن التصريح المبهم هو الذي صيره بأن يقول مثل هذا. ليكن في علمك أيضا وأن التصريح كان بمثابة القنبلة وكذلك أثار احتجاجات صاخبة. إننا لا نشك أنك لا تنوي مثل هذا، ونطلب منك أن ترسل إلينا بمزيد السرعة، تقريرا عن الحدث ونزيد تأكيدا ولو أن المقصود لا يسوغ لنا ترك المبادئ الأساسية وينبغي الاطـلاع عن الحالة وتوفير الوقت الكافي، لتوضيح وضعيتنا الأساسيـة وشرحنا بدون أن تفقد الجبهة الديبلوماسية لشمـال إفريقيـة قوتها التي بذلت فرنسا قصارى جهدها لإخفاقها لكن بدون طائـل.
12/10/ 1957 الإمضـاء محمـود الشريـف.
الملاحظة الأولى أن هذه الوثيـقة تتعلق بموضـوع الثورة ذاتها، وهو الاستقلال باعتباره الهدف الأساسي للثورة الجزائرية المسلحة، لذا إن لجنة التنسيق والتنفيذ التي كانت تتابع كل كبيرة وصغيرة تدور حول هذا الموضوع في العالم، تفاعلت بسرعة مع التصريح الذي نشرته وكالات الأنباء ومفاده أن التفاوض المسبق يمكن أن يكون دون الاعتراف بالاستقلال الوطني، وهذه مخالفـة صريحة لهدف الثورة ذاتها، مما جعل لجنة التنسيق والتنفيـذ تسارع بالاتصال بمبعوث الجزائر بنيـويورك، مطالبة إياه أن يوضـح ذلك في تقـرير خاص وفي نفس الوقت لامتـه وأشارت إلى التواطـؤ والتساهـل.
الملاحظة الثانية أن ما نشرته وكالات الأنباء مفاده أن الجزائر تراجعت على مسألة الاعتراف بالاستقلال، ثم التفاوض وهو المبـدأ الذي تشترطه وتتمسك به منـذ الإعلان عن الثورة أي الاعتراف ثم التفاوض، وصدور بيان في شهر نوفمبر 1957 يؤكد التمسك بالاعتراف بالاستقـلال قبل المفاوضـات.
الملاحظة الأخـيرة فإن لجنة التنسيق والتنفيذ طرحت سؤالا على مبعوثها لدى الأمم المتحدة تستفسر إذا كان التصريح الـذي أدلى به السيد الباهي الأدغم باسم جبهة التحرير الوطني أو صرح به دون إذن المبعـوث الجزائري، وهذا من أجل معـرفة خلفيات التصـريح، ومـن كان وراءه، وفي كل الأحـوال أن الاستقلال كان مقدسا وكل من يـمس هذا الهـدف يتعـرض للتأنيـب.
المراسلة الثامنة : موجهة إلى محمود الشريف وزير التسليح والتموين في الحكومة المؤقتة للجمهـورية الجـزائرية من المجمـوعة الأولى (بالشعنـبي) 13 أكتـوبر 1959.
حضرة المحـترم سي محمود الشريف وزير التسـليح والتموين في الحكـومة الجزائريـة تحيـة ملؤها المـودة والإخاء وسلاما يعـبر عن عـرى الاتحاد والـوفاء، وبعـد:
نبعت لسيادتكم بالأخ علي بن لعروسي حامل هذه الرسالة وهو من الرجال الذين نعتمـد عليهـم ولنا فـيه الثقة التامة، وسيقوم الأخ المذكور بشرح كل شئ أمام سيادتكم وهو موجود هنا بالشعنبي من يوم وقوع الحادث المعروف. لذا أننا مع صالح قررنا إيفاد الأخ علي حتى يطلعكم عن الحالة هنا وأن أملنا لا زال متعلقا بك أنت فقط، وستجد عند الأخ المذكور المعلومات اللازمة التي تعتمـد عليها. هذا أما فيما يخـص قدومنا نحن، فأن الظـروف الراهنة لا تسمح لنا بذلك، ويعطيك السبب حامل الرسالة وبعد رجوع الأخ المذكور واطلاعنا على المعلومات التي تأتينا من طرفكم ففي ذلك الوقت يمكننا مهما كانت الظروف من الاتصال بكم. سى محمود المحترم، أن حالتـنا هنا تحتاج إلي علاج من طرفكم، إن أمكنكم ذلك، و إلا تعطونا الحقيقة إذ أننا الآن لم نطلع على شئ. وإننا مسرورون حيث لازالت أسماء تذكر عندكم. وذلك ما تتمنوه ونتعدوه فيكم، عشتم وعاشت الجزائر أبناؤك جيلالـي عثمان. صفصاف الحاج صالح. براكـني علـي بن يونس. فارس الطاهر بن سلطان. الصادق رزاقيـة وكافة الجنـود هنا بالشعنـبي. والسـلام.
المراسلة التاسعة : جيش وجبهة التحرير الوطني الجزائري. الأخ المحترم سي البشير ورتاني يوم 23 أكتوبر1957، بعد التحية الخالصة التي أبعثها إليكم من صميم قلبي وأقول لكم أنكم لن تغيبوا عنا في أي لحظة من اللحظات التي نعيشها، أني دائما معكم بروحي وان كان الجسـد عنكم بعيـدا..ولقد بلغني أن إحدى الرسائل التي وصلتكم، كانت غامضة لديكم وأنها خيبت لكم الآمال وجعلتكم تشكون في حسن النوايا لكنني والحق أقول أنني كلما فكرتكم أو دار بيني وبين أخواتي ممن يهمهم الأمر إلا وحدثتهم الحديث عن إخلاصك وعزيمتك الجبارة التي لا تقهر ووطنيتك الفذة التي لا تمحوها الأيام وليس هذا مني ثناء وإنما هي الحقيقة التي رايتها فيكم زمان كان يجمعنا المقام الواحد. إن المواقف التي وقفتها اتجاه المستعمر الغاشـم والمشوشين، بلغتني تفاصيلها والبطولات النادرة التي سجلتموها… ونحن نشكركم الشكر الجزيل على هذه الأعمال التي تجلب الخير لنا والنفع للوطن الثائر، وتجلـب لكم السمعة العالية، التي يسجلها لكم التاريخ على مر الدهر. أما الحالة في الخارج فهي على غاية من الحسن، وان صوت جيش التحرير الوطني يدوي في جميع أرجاء العالم كما أن الحالة على أحسن حال أيضا، ودمتم بخير أخواتي فالنصر قريب بإذن الله تحياتي القلبية إليكم وإلى كل مكافح من اجل تحرير البلاد والسلام من أخيكم محمود الشريـف.
والخلاصة أن المراسلات بين المجاهدين مكنتهم من نقل الأخبار والمعلومات فيما بينهم بسرعة وإذ كانت المرسلات أثناء الكفاح المسلح من أهم وسائل لنقل الأخبار، فهي اليوم من أهم المصادر لكتابة تاريخ الثورة باعتبارها سجل حي لمسيرتها.
الجزائر في 19 أوت 2009

ليست هناك تعليقات: