الأربعاء، 7 يناير 2009

كلمة تابينية للشيخ العلامة سي أحميدة العقون






كلمة تابينية للشيخ العلامة سي أحميدة العقون


الحمد لله القادر..... العليم الفاطر........ الحكيم الجواد ........الكريم الرب الرحيم .........منزل الذكر الحكيم ........والقرآن العظيم ..........على المبعوث بالدين القويم ........والصراط المستقيم........ والصلاة والسلام على خاتم الرسالة .........والهادي من الضلالة........... وعلى مشرف الرسل بأشرف الكتب والكتاب محمد النبي الأمي العربي الأمين وعلى اله هداة المهتدين وأصحاب الأخيار وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد:
فلما كان العلم اشرف منقبة واجل مرتبة وأبهى مفخرة وانفع متجرة إذا به يتوسل إلى توحيد رب العالمين والى تصديق أنبيائه والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين .
صار العلماء خواص عباد الله الذين اجتباهم إلى معالم دينه وهداهم إليه وبمزية الفضل أثرهم واصطفاهم وهم ورثة الأنبياء وخلفاؤهم وساداتي المرسلين وعر فاؤهم كما قال الله تعالى : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات .
وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم : العلماء ورثة الأنبياء بالعلم ويحبهم أهل السماء ويستغفر لهم الحيتان في البحار إلى يوم القيامة .
وقال الله تعالىإنما يخشى الله من عباده العلماء .
وقال عليه الصلاة والسلام :يبعث الله الخلق يوم القيامة ثم يميز العلماء فيقول الله تعالى : يامعشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لعلمي بكم ولم أضعه فيكم لأعذبكم انطلقوا إلى الجنة فقد غفرت لكم .
وأقول : أن الشيخ الفاضل العقون سي أحميدة رحمه الله واسكنه منازل صدق قد لمس فيه الجميع العلم الغزير والتواضع غير المـــكلف, وانه لمن منطلق الوفاء لروح شيخنا اشعر باني لا أزن شيء أمام هذا الرمز الكبير الذي تجسدت في شخصه كل القيم , وانه لمن وحي ذلكم فان أهمية ومهابة الحدث تمليان الشعور بثقل المسؤولية كلما فكرنا برحيل هذا الرجل العملاق وأردنا أن نذكر أو نتذاكر كيف أضاء الدرب لإخوانه , منشدين الله بالدعاء أن تكون مكانته بين الأنبياء والصديقين وحسن أولئك رفيقا.
لقد كان نبأ وفاة سيدنا الشيخ نبأ قد حرك الوجدان وشد القلب وارجف اليد وأرعش الرأس , وأسال الدمع , وجعل في اللسان بكما وأوقف العقل وأدهش الفؤاد .
وإذا بي أتذكر أبيات شعرية لأستاذنا حفظه الله وأكرمه : ذرذاري يحي تحت عنوان تنبيه للعبد السفيه وهو يقول:
يانفــــــس مهلا توبي ***واقنــــعي بالمكتوبي
يكفـــــي من الذنوبيي*** وكـــــــثرت العيوبي
يكـــــــفي من التمادي ***في اللـــــــهو والرقاد
تخـــــــلي عن دنياك*** وخــــافي من مولاك
فالمــــوت لاينـــساك ***ففجأة يلقاك
ورفع الجثمان الطاهر من سكنه الذي كان بالأمس القريب نبراسا للمترددين والحيارة في وسط مدينة افلو التي كان سكانها من الكبير إلى الصغير من المطيع إلى العاصي الكل على السواء كان يحترم الشيخ ويجله حيث منظر هؤلاء يوحى بلسان الحال أين أنت ياشيخ ذاهب .
وكانت انطلاقة الموكب الجنائزي المهيب على الساعة 12سا 30د متجهين إلى مسقط رأسه مدينة الغيشة الغالية والحبيبة على قلوبنا وكان رفقته الآلاف من المحبين يعتلون وسائل النقل بأنواعها وقد أغلقت معظم المؤسسات , بل هناك من ترك عمله دون الاكتراث بقوت أولاده هدفه الوحيد الحضور إلى الجنازة والدعاء للشيخ والتبرك بان يصاب بالحسنات .
وما يشد الانتباه انك ترى سيارة بجنب سيارة من مدينة افلو إلى مدينة الغيشة على خط واحد وكأن المحبين يتسارعون في إبراز حبهم لهذا الزاهد الذي احسبه عند الله من أولياءه الصالحين .
ونحن في الطريق قد امتلأت النفس فيضا وغاصت في ذكريات .... أرى فيها الشيخ الجليل وهو يؤم المصلين ...... وهو على المحراب خطيبا......... وهو يقرأ المعقبات وراء كل فريضة صلاة......وهو لتلاوة الحزبين مشددا على نفسه ...... ولسؤال الناس منصتا يبرز من وجهه الحياء تتخللها ابتسامة توحي لك للوهلة الأولى بالاطمئنان........ يكاد صوته إن لم تشدد في الاستماع اليه فانك هيهات أن تأخذ منه شيء ......وكأني أرى مقولة الأستاذ العقاد حينما سألوه لماذا كتاباتك معمقة ومعقدة فقال لا أريد أن تكون كتاباتي مروحة للجبناء ...... وكنت أرى حينما يدعى لمؤدبة ما فان صاحب المؤدبة لا يهدأ له بال حتى يجلس الشيخ في أحسن مكان وأكثر الأحيان يتوسط الجمع....... وكنت أرى خطواته في ذهابه وإيابه إلى..... المسجد العتيق الحبيب إليه .... كنا من هيبته ووقاره لا نمد أعيننا في عينيه حينما كنا نقطع الطريق من اجل مصافحته آملين أن تعمنا دعوات هذا الشيخ الفاضل .
يا رب إن العين امتلأت دمعا على شيخنا , فبحق وجهك ونور قداستك وعظيم سلطانك أن ترحم هذا الوقور الذي كان كثير الحياء حتى من الأطفال....... فأما الحياء منك فهو أعظم بلا شك وانا في هذا الموقف أتذكر بيتا شعريا للأستاذ الصادق سلايمية وهو يقول
من كل عـــــــــقد لداك العمر مـــكرمة * بعد الثمانين للجنات منتظر
ويقول الشاعر العربي القديم
المـرء بــعد المـوت أحدوثة***يفـنى وتــبقى منه أثاره
فأحسن الحالات حال امرئ *** تطيب بعد الموت أخباره
اخو العلم حي خالد بعد موته *** وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على التراب *** يعد من الأحياء وهو عديم
وكانت الساعة 13سا20دقيقة حتى وصلنا إلى بلدية الغيشة متجهين مباشرة لمسجد المدينة من اجل إقامة صلاة الظهر حيث وجدنا المسجد والشوارع قد امتلأت بالمصلين , وبعد الانتهاء من الفريضة تم إعطاء الكلمة للأستاذ: صياد عيسى الذي كان حقا في شعره .....قوة حق...... وكلمة صدق...... وليت أستاذي ذكر حبا الشيخ للعتيق ولكن كان بحق سي عيسى رجل شعر.
والأستاذ: رحماني أمحمد الذي عودنا بحديثه المتزن أرى حبه للشيخ قد ملأ نفسه الرحيمة .........بعد نظره قد جعله أسيرا بما يختلج به صدره وكأنه يقول بلسان الحال من يخلف هذا الرجل في علمه وأدبه وأخلاقه وتواضعه ,لقد كان سي أمحمد رغم تأثره بما رآه ....ولا يرى كل الناس ماراه...... رجل حقا يتركك تخاف على هذا الإرث الضائع.
وقد اخذ الكلمة الشيخ الفاضل : الذي قال الجميل والأجمل وصف وكأنه بوصفه يودع أغلى رجل امتلأت به ارض جبل عمور قاطبة.
وبعد هذا نقل الجثمان الشريف إلى المقبرة التي تبعد عن المسجد بحوالي 40 مترا وعيون الناس باكية و لقضاء الله غير معترضة..... و تلمس فيها الخوف وكأنهم يقولون الموت لا يأخذ إلا الحسن وهم لا يدرون أن هؤلاء يموتون بكثرة ولا يعرف موتهم إلا القليل.
طلبة القرآن يتلون آيات الله في سماء الغيشة في وسط المقبرة وكأنه الوداع الأخير يسارعون في ترتيلها .
وتحضروني أبيات للأستاذ :ذرذاري يحي حفظه الله ورعاه:
وحين فاضت روحي*** وضعوني فوق اللوح
من ثوبي جردونــــي*** بالماء غســـــــــلوني
في الكـــفن أدرجوني*** في النعش وضعوني
في الـــقبر قد رموني*** واغلقو بالطـــــــــين
وفــــيه تركـــــــوني*** وحـــــدي ما ودعوني
فويلي ما أقــــــساهم ***من شــــــــدة جفاهم
عادوا إلى دنـــــياهم*** ما أســــرع خطاهم

وأقول إن هذا القنديل اللامع النوراني سلطان منطقتنا وأحسن العارفين بها , وذكرنا بعض العبارات الجياشة عن شيخنا ليس من اجل أن نعمق الجراح لأبنائه الأعزاء علينا بل أردنا أن نقول هذا رجل ليس ككل الرجال ويجب أن تعرف الأمة قدر علمائها , ومن خلال هذه الأسطر لم نقصد الظهور بل أردنا أن نقول للخواص والعوام يجب أن لا تمر وفاة العظماء بهذه الطريقة , مع توجيه احتراماتي لسكان أهل الغيشة مع تسجيل شيء احرق القلب وهو عدم توفير البلدية للمستلزمات الخاصة بمثل هذه الظروف .
ونقول لأهله جميعا : لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء بقدر فلتحتسبوا.
كما ندعوه أن يفرغ على عائلته صبرا واجد في الشاعر المقتبس بلسما لختم هذه الكلمة المتواضعة.
كان الذي خفت أن*** يكونا إنا إلى الله راجعونا
زاوي سليمان

ليست هناك تعليقات: