الخميس، 29 أكتوبر 2009

لماذا يسدل الستار على ثور نوفمبر العظيمة؟



المقال
لماذا يسدل الستار على ثور نوفمبر العظيمة؟

كل ثورة بالمعنى العميق والواسع للثورة كحدث مفصلي يغير مسار التاريخ بإحداث قطيعة هي مفصلية أيضا بين واقع أو ماضي متكلس عجز عن الاستجابة لحركة التاريخ الجارفة لكل ما هو ساكن، واضعة الأسس لواقع جديد مغاير ينسجم مع حركة التاريخ الكبرى.. ثورة مثل هذه أصيلة ومتجذرة يقوم بها شعب أو تحدثها أمة تنخرط في حركة التاريخ المتجددة، تصبح هذه الثورة بالنسبة لتلك الأمة أو ذلك الشعب المنبع والملهم والدافع والمعيار لكل تقدم، تلك هي الثورات الكبرى التي غيرت مجرى التاريخ.
كانت تلك الثورة سياسية أو اجتماعية فكرية ثقافية علمية تكنولوجية دينية أخلاقية فلسفية.
فهل كانت الثورة الجزائرية، ثورة أول نوفمبر العظيمة استثناء أم أنها لم تكن ثورة أصلا. أم كانت مجرد حركة مسلحة انتهت مهمتها بالحصول على الاستقلال؟
موقف أو رأي تبناه ويتبناه عدد من السياسيين والمثقفين منذ استقلت الجزائر وإلى الآن. رأي يناقش وإن اختلفت وجهات النظر لو كانت قضايانا الوطنية الكبرى تناقش، مثل هذا الرأي يتعارض مع أهداف الثورة وأهداف الذين أعدوا لها وفجروها وقادوها إلى النصر، يتعارض مع أهداف الحركة ومع النضال الوطني منذ احتلال الجزائر 1830 إلى الاستقلال سنة .1962 ثورة أول نوفمبر المنتصرة كانت تتويجا لما سبقها من ثورات. وإذا لم تكن ثورة مستقبلية فلم قام الأمير عبد القادر بإقامة دولة وطنية وقام بمحاولة التصنيع وتنظيم الإدارة؟ ولم وضعت الحركة الوطنية، وهي في مطلع نشأتها، في برنامجها إقامة نظام سياسي جمهوري برلماني، وأنها عندما اشتعلت الحرب الباردة أعلنت أنها تلتزم الحياد الإيجابي اليقظ، وأن الثورة كانت تخرج الجنود من الجبال وتبعثهم إلى بلدان العالم لتكوين إطارات المستقبل.
اليوم يسدل ستار سميك على ثورة نوفمبر العظيم بدعوى أن هذا تفرضه التغيرات التي تجري في العالم. حقيقة إن كل الأحزاب عندنا تضع في مقدمة برامجها أنها تلتزم بمبادئ أول نوفمبر، وأن السلطة والمنظمات التي تسمي نفسها الأسرة الثورية تقوم في المناسبة بقراءة الفاتحة على مقابر الشهداء وتعقد ندوات روتينية وبالمناسبة أيضا. ولكن كل ذلك لا علاقة له بالثورة، لا كحدث غيّر مجرى تاريخنا ولا بالثورة كمشروع ولا بالتغيرات العالمية التي يزعمون أنهم يسايرونها ولا يريدون الاعتراف بأن الثورة محاصرة وأنهم يشاركون في هذا الحصار.
الثورة الجزائرية لم تكن أبدا مجرد حركة استقلالية لا في ذهن الذين فجروها وقادوها، ولا في ذهن زعماء الحركة الوطنية. الثورة الجزائرية مشروع وأنها تتكيف مع حركة التاريخ المتقدمة إلى الأمام ولا تتكيف مع نكوص حركته السائرة إلى الخلف. وإذا كانت ثورتنا قد تراجعت إلى الخلف نتيجة أسباب معظمها داخلي، وبسبب قصور أهلها عن الدفاع عنها والسير بها نحو التقدم، والاستجابة لحركة وطموحات المجتمع سريعة التحول أيضا. الثورة الجزائرية ومنذ الاحتلال كانت ثورة شعبية في العمق متجذرة. ولم تكن حركة فئة محصورة أو معزولة. تبناها الشعب، دفع فيها أعز ما يملك من الرجال والمال. لقد قام عبء نضال الشعب الجزائري، وفي كل الفترات على أبنائه وحدهم. وإن كانت مساعدة تأتي من هناك فهي ضئيلة بالنسبة للثمن الباهظ الذي دفعه الشعب الجزائري. هذه الثورة الشعبية المتجذرة الممتدة في أعماق التاريخ لا يراد لها اليوم أن تعود لشعبها كشعب حر في اختياراته والمشاركة الفعلية في تقرير مصيره وصناعة مستقبله.
هذه الثورة يراد لها اليوم أن تزوّر، وأن تكون في يد كمشة من المتسلقين والمشبوهين ومحتكري السلطة للاستيلاء على الثـروة الوطنية وإعادة الإقطاع والنفوذ الأجنبي وعزل الشعب في أحياء المدن الفقيرة وفي أريافه المهجورة وإسدال الستار على الثورة كتاريخ يراد له أن يشوه، ومشروع يراد له أن ينسى.
المسألة التي تطرح نفسها هي تمزيق الستار وفك الحصار عن الثورة، فك الحصار عن الجزائر المستقلة وطاقاتها الهائلة، فك الحصار عن الأجيال الجديدة يعني إعادتها للشعب مهدها الطبيعي. فك الحصار عن الثورة يعني استرجاع المبادرة التاريخية الوطنية الخلاقة. فالثورة ولادة.
محمد سعيدي

المقال الذي ينشر في هذه المساحة لا يعبر بالضرورة عن رأي الجريدة
المصدر :محمد سعيدي
2009-10-29

ليست هناك تعليقات: