الاثنين، 15 ديسمبر 2008

فرنسا قتلت 9 ملايين جزائري وليس مليون ونصف



الباحث الدكتور محمد قنطاري يفتح للشروق ملف الأرقام الشائكة للثورة
يؤكد الباحث والمؤرخ محمد قنطاري، من جامعة وهران، في هذا الحوار، أن الشعب الجزائري يصنع التاريخ لكن لا يكتبه، وهو الأمر الذي كان سببا في إهمال جوانب عدة من الذاكرة الوطنية.
* إدعاءات النائب بن حمودة حول عدد الشهداء طبق من ذهب لفرنسا
* بوتفليقة طلب منّي كتابة تاريخ رؤساء الجزائر

كما عرج المتحدث في لقائه مع الشروق اليومي على المعركة الإعلامية الأخيرة التي فجرتها تصريحات نائب عن كتلة الأرسيدي بالمجلس الشعبي الوطني، حيث أكد أنها تصريحات تحت الطلب، لكن الرد عليها كان تهريجيا وليس علميا.

الشروق: بداية دكتور، عرفنا مؤخرا أنكم قمتم بإهداء الرئيس بوتفليقة كتابا أو قاموسا عن شهداء منطقة تلمسان، هل يمكن معرفة أسباب ومبررات إصدار مثل هذا الكتاب وأيضا أهميته وماذا يضيف للكتابة التاريخية؟
محمد قنطاري: هذا القاموس جاء باختصار لسبب بسيط هو إدراكنا افتقاد المكتبة الوطنية لقواميس للشهداء باسم المناطق، وحتى مقاومة الأمير عبد القادر والشيخ بوعمامة والمقراني وغيرها... لم تدون بالأسماء، والغريب أن بعض المعارك والقادة برزوا على حساب كثير من الشهداء بما يعد إهدارا لضريبة الدم التي دفعها كثير من الشهداء المنسيين، لذا فكرت في ترك كتاب عن الثورة وحرب التحرير، ثم فكرت في إنجاز قاموس للشهداء وقد واصلت البحث وجمع الوثائق لمدة 28 سنة لإبراز الجانب التاريخي لتلمسان، التي تعتبر البوابة الأساسية للولاية الخامسة، كما أنها رسمت استراتيجية حدودية للثورة، وهنا أروي قصة للمرة الأولى، ففي سنة 2002، كنت مع الرئيس أحمد بن بلة في بيته، وتفاجأنا بزيارة الرئيس بوتفليقة الذي أتى يقود سيارته بنفسه، وحينها كنت بصدد كتابة قاموس حول شهداء الثورة في المنطقة، وأوصاني الرئيس بوتفليقة بتدوين كل تلك الوثائق المهمة لكنه طلب مني عدم إبراز وثائق وصور أخرى لأن وقتها لم يحن بعد... كما نصح بن بلة الرئيس بوتفليقة بتدوين مذكراته وأيضا مشاركاته في الثورة وفي بناء الدولة بعد الاستقلال، وهو الأمر الذي قال لي بوتفليقة إنه يمكن أن أساهم فيه، لذلك فكرت جديا في كتابة مؤلف عن المسار التاريخي لقادة الدولة الجزائرية...

ذكرتم أن الرئيس نصحكم بعدم كشف بعض القصص لأن وقتها لم يحن بعد، ولكن مثل ماذا؟
مثلا قصة أحد الضباط الفرنسيين الذي التحق بالخدمة العسكرية وشاهد بعينيه الاغتيالات وحالات الاغتصاب التي كانت تقع، فقام بجلب حمار وألبسه لباسا عسكريا فرنسيا كما وضع قبعته على رأس الحمار وقال إن الفرنسيين ليسوا حميرا ليحاربوا هنا، فالجزائر جزائرية، ثم التحق بالثورة في جبل عصفور بتلمسان. وهناك مجموعة كبيرة من القصص والروايات والوقائع لهؤلاء الغربيين والفرنسيين الذين فروا من الحرب والتحقوا بالثورة، فقد كان هناك 1013 من اللفيف الأجنبي، وخصوصا الألمان الذين فرّوا وانضموا للثورة في عدة عواصم غربية، وقد كونوا جمعيات للمساندة في كثير من العواصم الغربية، كما كانت لهم اتصالات مباشرة مع فئة المثقفين والطلبة...

هل صحيح أنه يوجد الكثير من الشهداء المنسيين؟ ما نسبتهم؟ وما أسباب ذلك؟
في قاموس الشهداء، ركزت الاهتمام أكثر على الشهداء المنسيين الذين لم يتم تقييدهم لدى مصالح الوزارة الوصية أو دوائر المجاهدين؛ ذلك أن بعض العائلات التي فقدت أربعة شهداء أو أكثر من أبنائها كانت تهتم فقط بتسجيل شخص واحد للحصول على منحة بعد الاستقلال، مما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء، وأيضا هناك أسماء تم تقييدها في ملفات ضحايا الحرب لدى الفرنسيين ولا يعلم الجزائريون عن هؤلاء شيئا، فهل تصدقون أن في تلمسان وحدها 20 ألف شهيد...
(مقاطعين)وماذا عن الرقم الجماعي الذي يشكك فيه البعض، أي المليون ونصف المليون شهيد؟
سأجيبك عن هذا السؤال الذي تجرّني من خلاله إلى كلام آخر، فالشخص الذي شكك في عدد الشهداء (وهنا يقصد النائب آيت حمودة) أعرفه شخصيا، لأنه كان زميلي في البرلمان، وأنا أحترمه كشخص، وأيضا لأنني أستاذ جامعي، وشعاري أنني أوحد ولا أفرق، أما عن خرجته الأخيرة فهي هدية على طبق من ذهب لفرنسا لأن الجدل خرج مباشرة من البرلمان الوطني إلى مجلس النواب الفرنسي، والأمر ليس سوى صفقة ضمن الصفقات السياسية. وللأسف، التشكيك يعتبر دعما للعدو من أحد نواب البرلمان وليس من شخص عادي، فالطعن في الشهداء مرفوض لأنهم رموز مقدسة.

ولكن كيف يمكن يا دكتور الرد علميا على مثل هذه الخرجات السياسية؟
لعلمكم أن ما توصلت إليه من خلال أبحاثي ولقاءاتي، هو أنه منذ دخول فرنسا وحتى خروجها، بالقطاع الوهراني أو بالغرب يوجد ما يزيد عن خمسة ملايين شهيد، لأن فرنسا كان هدفها الإبادة الجماعية والقضاء نهائيا على العنصر الجزائري الأصيل، سواء جسديا ومصادرة أملاكه وأراضيه لتحقيق الدولة الفرنسية وعاصمتها وهران، وقد كانت أكبر تلك المقاومات في الغرب الجزائري دون تحيّز، من مقاومة الأمير إلى بوعمامة وغيرها...

وماذا عن عدد الشهداء الذين قتلتهم فرنسا منذ دخولها إلى غاية الاستقلال عبر كامل التراب الوطني؟
عددهم يفوق التسعة ملايين شهيد، مارست عليهم حرب إبادة باستعمال وسائل عسكرية متطورة في مقابل مقاومة شعبية تفتقد إلى كثير من الوسائل، علما أن فرنسا جندت إجباريا العديد من الجزائريين لحربها الخاصة مما أدى لمقتل 180 ألف جزائري في الحرب العالمية الأولى و200 ألف جزائري في الحرب العالمية الثانية، اقتحمت بهم ميادين المعارك واقتحمت بالجزائريين أيضا المستعمرات الفرنسية مما أحدث نزيفا حادا للعنصر الجزائري، وذلك بالموازاة أيضا مع التشكيك في الهوية الجزائرية حيث أصيبت الهوية الوطنية بالمسخ، ولو أردنا محاسبة فرنسا على جرائمها الكثيرة فلن نجد ما نحاسبه عليها وما نتركه لأن الفواتير ثقيلة جدا.

ولكن دكتور ألا تعتقد أن صمت المؤرخين ساهم في زيادة التشكيك بالثورة، كما أعطى الفرصة للسياسيين كي يقوموا بما وصفته العبث في التاريخ؟
لا أتفق معك في ذلك، والمؤرخون ليسوا مدرسة واحدة، بل هناك مدرستان، واحدة جزائرية مهمشة ومقصاة وتفتقد للوسائل، والثانية فرنسية مستفيدة من الإعلام والدعاية..

(مقاطعا)...يعني لو وضعنا القارئ في الصورة وأعطيناه أسماء عن المدرسة الفرنسية، هل يمكن الاستشهاد بمحمد حربي؟
حربي صديق، ومناضل، لكن يمكنكم اكتشاف هؤلاء المؤرخين المتفرنسين بالإجابة إن كانت رواتبهم تدفعها الجزائر أو فرنسا، وأين يدرسون، هل في الجامعات الجزائرية أو الفرنسية(...) لقد تحولت فرنسا عند هؤلاء إلى مرضعة غير شرعية، خصوصا أن وثائقهم يحصلون عليها من فرنسا ولكن تلك التي يسمحون بإخراجها فقط، وهنا أريد أن أقول إنني درست أيضا في فرنسا من 80 إلى 90 ، وأنجزت دكتوراه الدولة هناك، ولكنني رفضت جميع الإغراءات بالتنازل عن الثورة لأنني مجاهد في الأصل قبل أن أكون مؤرخا.
قد يقول البعض إن بحوثكم في المدرسة الجزائرية، كما سميتها وصنفتها، تفتقد أيضا إلى المصداقية المطلوبة على غرار ما وصفته بالانحياز داخل المدرسة التأريخية الفرنسية؟
لا أبداً، فأنا استمعت إلى الطرفين وليس طرفا واحدا؛ ذلك أنني لم آخذ بحوثي وكتبي من المجاهدين وعائلات الشهداء فقط حتى لا أقع في المزايدات المضرة بالبحث العلمي، ولكنني عدت أيضا إلى شهادات المنخرطين في الجيش السري وأيضا لفئة المقاومين الفرنسيين واللفيف الأجنبي، واستمعت أيضا إلى الحركى، وقد قمت باستغلال فترة إقامتي في فرنسا للاحتكاك بهم، علما أنني أعتقد أنهم يقفون وراء تثبيت المساجد هناك وليس المهاجرين من الجيل الثاني، لأنهم ندموا كثيرا، وكانوا يطلبون من أئمة المساجد طرقا للتكفير عن ذنوبهم وتعاونهم مع الأجنبي، وهو ما جعلنا نستغل فترة توبتهم تلك للحصول على أكبر قدر من المعلومات عن الثورة، وهنا يجب أن تعرفوا أن الحركى مازالوا يشكلون منطقة ملغمة ومفخخة في التاريخ الوطني من الصعب اقتحامها.

هل قوبلت مثل هذه المحاولات لكتابة التاريخ بمساعدات؟
دعني أقول لك إن الحصار الذي تعانيه فئة المثقفين والمؤرخين تعاظم في السنوات الأخيرة، وقد قلت ذلك للرئيس بوتفليقة في تلمسان خلال افتتاحه لمركب الولاية الخامسة الذي يفتقد إلى الأرشيف ومساهمات المجاهدين الحقيقيين والأساتذة الباحثين.
نحن مقبلون على سنوات ينقرض فيها كل جيل الثورة ولن تبقى إلا المراجع شاهدا حيّا على تلك المرحلة، لذا ينبغي الحذر مما يكتب برغبة خارجية، حتى أن هناك مراجع غربية وفرنسية تباع في المكتبات بأبخس الأثمان تشكك في الثورة والشهداء ولا أحد يتحرك(...)، كان من المفروض في مقابل مليون ونصف مليون شهيد أن يكون لدينا مليون ونصف مليون كتاب، وإذا كان لدينا 500 ألف مجاهد كان من المفروض يقابله 500 ألف عنوان، ولكن لا يوجد للأسف الشديد، مما ساهم في تشويه الذاكرة.

وماذا عن دور المنظمات الثورية، ألم تنخرط في الدفاع عن الذاكرة؟
للأسف الشديد، تلك المنظمات أصبحت تهريجية أكثر منها جادة، وتسعى فقط لتنفيذ المصالح الخاصة وهي منظمات سياسية واستغلالية، واهتمت بالجانب المادي فقط، كما لم يكرس زعماؤها وقتهم لكتابة التاريخ والتدوين، ولا حتى للدفاع عن المدرسة التاريخية الجزائرية التي تعاني من المضايقات والتهميش والإقصاء.


ليست هناك تعليقات: